كيف تكتب مقالاً عندما لا يكون لديك ما تقوله؟

المؤلف: ريهام زامكه09.25.2025
كيف تكتب مقالاً عندما لا يكون لديك ما تقوله؟

فيروز تتساءل:

"من ذا الذي أيقظني من أحلامي العميقة،

ووجه ناظري نحو عيونك، منذ اليوم الأول للقائنا؟".

يا أم زياد العزيزة، يبدو أن وقت فراغك لا حدود له، أسعد الله صباحكم يا أحبائي.

ولكن إذا ما تحدثنا بجدية؛ فمن يكون ذاك الذي ألهمني، ووجه اهتمامي نحو كتابة هذه المقالات، غيركم أنتم، قراء مدونتي الأفاضل؟

لن أجرؤ على الادعاء بأنني اشتقت إليكم بعد هذه العطلة الممتعة، خشية الوقوع في براثن الكذب، ولكن سلوتي الوحيدة ستكون في استقبالكم الحافل لي بالورود، وأن تفرشوا لي صفحات الجرائد بكلماتكم المعسولة، وأن تقولوا لي بصوت واحد: "اشتقنا إليك يا صاحب الإبداع، والله اشتقنا".

لقد انتهيت الآن من فترة الاسترخاء، والراحة المستحقة، والنوم العميق دون التفكير في موضوع المقال القادم، وعدت من إجازتي الروحية، أو بالأحرى (الكنبية) كما يحلو لي تسميتها، حيث كنت أتنقل وأتمدد بكل أريحية من أريكة إلى أخرى دون تأنيب من ضميري، وقد منحت عقلي (إجازة بلا قيود) سافر بها إلى عالم الفراغ المطلق، حيث لا يوجد شيء، ولا أحد سواي.

وبعد هذا كله، أظن أنكم تتوقون لقراءة مقال جديد لي، ولكن الحقيقة هي أنني ما زلت أبحث عن الفكرة الملهمة، تمامًا كما يبحث المهاجر عن حضن وطنه الدافئ، وقد بدأت رحلة البحث بالفعل، وتصفحت العديد من الصحف والمجلات، على أمل أن أجد ما يوقد شرارة الإبداع في داخلي، ولكنني لم أجد سوى عناوين باهتة، وأخبار معظمها كفيلة بأن (تسد النفس) وتقبض الروح!

فوجدت نفسي في مأزق حقيقي، وحاولت جاهدًا أن أبحث عن (مخرج) لهذه الورطة قبل أن أغرق فيها تمامًا، ولكنني لم أجد مع الأسف كلمات ترتقي بمقام الحرف، وتصلح لأن أستخدمها كمادة خام لسخريتي البذيئة هذه.

وأخيرًا، قررت أن أكتب عن كيفية كتابة مقال عندما لا يكون لديك ما تقوله، وأن أعلمكم فن الكتابة عن العدم المطلق، وكيفية تحويل اللاشيء إلى شيء.

أولًا: لكي تكتب عن اللامعنى، عليك أن تخلق مشكلة من العدم، أي مشكلة تافهة، ثم تتصرف وكأنها أزمة وجودية تهدد العالم بأكمله، على سبيل المثال: لماذا يربط الناس دائمًا القهوة بالمثقفين، رغم أن المثقف الحقيقي يستطيع أن يحتسي (عصير بقدونس) بكل فخر واعتزاز؟

وثانيًا: عليك أن (تتفلسف) وتبدو فيلسوفًا عبقريًا، وأن ترتدي عباءة الحكمة والوقار، وأن تقول إن اللا شيء هو مفهوم عميق جدًا من الناحية الفلسفية، وأنه يلامس الروح ويهز المشاعر، ثم (اخترع) أي كلام فارغ، وسيصدقك الجميع دون أدنى شك.

إذًا، هذه هي الطريقة المثلى لإنتاج محتوى إبداعي، وحتى إن لم تجد فكرة على الإطلاق، فاكتفِ بالكتابة عن العدم والفراغ، فالسخافة والعبث أصبحا سلعة رائجة ومطلوبة بشدة في هذه الأيام، ولهما جمهورهما الخاص الذي يقدرهما ويثمنهما.

لطالما تساءلت في قرارة نفسي: كيف يمكنني أن أكتب عن موضوع ما بطريقة تجذب انتباه القارئ، وتجعله يشعر بأنه قد قرأ شيئًا ذا قيمة وفائدة؟ وبعد سنوات طويلة من البحث الدؤوب -يا رب اغفر لي كذبي- بعد خمس دقائق فقط، اكتشفت أن السر يكمن في ترك «جزء من النص مفقود .....».

يا أصدقائي الأعزاء؛ هذا المقال هو بمثابة مساحة بيضاء شاسعة، أسمح لكم فيها بإسقاط (أفكاركم المظلمة) عليها، تمامًا كمرآة تعكس لكم حقيقة ذواتكم الداخلية.

وأخيرًا، دعونا نعود إلى صلب موضوعنا الأساسي؛ من هو فعلاً ذاك الذي أيقظني من سباتي العميق؟

أستأذنكم الآن لأني (ذاهبة لزيارة خالتي العزيزة).

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة